الاثنين، ديسمبر 19، 2016

أريد أن أنام! (الجزء الأول)

في ليلةٍ روتينية من ليالي المدن الجوفاء.. تسللت خلسةً إلى والدها قائلة: بابا.. أريد أن أنام، احكِ لي قصة!
حملها بحضنه.. وصمت برهةً ثم قال:
أي بنيّة:
كان "صالح" غنيًّا بالمال والأخلاق، رزقه الله أمانةً وديانةً، ومالا وفيرًا ورث بعضه وكسب بعضه. لم يكن مع ما آتاه الله من مال وتجارة يرضى بشبهة ربًا أو مال حرام في بيعه وتجارته، رغم أنه يصعب على تاجر مثله أن ينقّي ماله من الشوائب سيّما وأنه يعيش في عصر اختلط فيه حلاله بحرامه. لذلك لم يكن فاحش الغناء، ولو أراد لكان، لكن حيطته وخوفه من الدخول فيما من شأنه أن يخلَّ بصفاء أمواله جعل تجارته محدودة وصعّب عليه الكثير من الإجراءات.

ذات مرّة قرر أن يتوجّه لبلدة جبليّة نائية، سمع عنها فأحبّ زيارتَها.. جهّز نفسه بمؤونة تكفي لأسبوع كامل، المدة التي كان يزمع قضاءها هناك.. وتودّع من أهله واستودعهم الله ثم مضَى.. وقبل أن يستوي على طريق السفر وكّل من أبنائه وأقاربه من يدير شؤونه العامّة مدّة غيابه مع الرجوع إليه وإخباره بجميع التفاصيل والمستجدات..

مضى وحيدًا، وقد كان عادةً في مثل رحلاته هذه يصطحب صديقه أبا حسام الذي منعته ظروفه الصحيةُ عن مرافقته.
الطريق طويل، يستغرق قرابة 13 ساعة بالسرعة النظامية.. طوال الطريق مع استراحات التوقف وباله مشغول في تجارته، واتصالاته لا تتوقف على جوالاته الثلاثة.. فالبعض كما تعرفين يا بنيتي يخرج من واقعه بجسده ويبقى رهينًا له بروحه وعقله.. كان ينفعل في اتصال، ويبتسم في اتصال آخر، يفرح، ويغضب، كل ذلك تسببه مكالمات بعيدة ترن على هاتف أخفّ من برتقالة! زعم أنه يخرج للعزلة لكي يرتاح، ولكنه في الواقع يحمل همومه معه أينما ذهب: شعر أم لم يشعر.. لقد غرّته المدنيّة والتجارة والأشغال عن الحياة الحقيقية فذاب في تفاصيلها. إننا نحب عادة أن نفعل الكثير من الأمور التي توهمنا بأنا نستغل أوقاتنا فيما يفيد لكي نريح ضمائرنا.

وصل به الحال أنه كاد أن يلغي رحلته تلك ويعود أدراجه، لمشكلة طرأت في إحدى شركاته، ولكن سرعان ما جاءه اتصال آخر يطمئنه أن الأمور سارت على ما يرام.
توكل على الله واستعاذ به من الشيطان وواصل طريقه، مثبتًا سرعته على السرعة النظامية -كان يحبّ أن يكون نظاميّا، وإنْ أَمِن العقوبة-.. وبعد أن انتصف الليل وهدأ جواله من الاتصالات والرسائل، بدأ يتبرّم من الطريق، فخطرت على باله فكرة -تردد في تنفيذها- وهي: أن يشغّل دروسًا كان قد حمّلها من قَبْل أحد معارفه على جهازه، وهي دروس شرح صحيح البخاري للشيخ بن عثيمين.

كان صالح يا بنيتي يتعجّب ممن يقضون طريقهم في الاستماع للدروس، كيف يصبرون عليها، وكان متشائمًا من كونه سيكمل سماعها، لكن قتامة الدرب، وعدم وجود الصاحب المؤانِس جعله يفكر جديا في تشغيل هذه الدروس ويخاطب نفسه: لم لا أجرب!
-وما زال يكمل قصته وهو ينظر في بنيته وهي تغطّ في نوم عميق، ويعلم أنها وإن كانت في أتم قواها الذهنية لن تفهم ما يريد إيصاله، لكنه يريد أن يقول-

(.. وللقصة تتمة)

0 التعليقات , [ أضف تعليقك ]:

إرسال تعليق

(مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد)